معارك جبل بادو Par MOURAD LAHFES


معارك جبل بادو سنة1933 محطة وضاءة في معركة الجهاد الأكبر لإعلاء صروح المغرب الجديد وتحقيق وحدته الترابية

الرباط 10-11-2007 يخلد الشعب المغربي وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير بعد غد الاثنين الذكرى ال74 لمعارك جبل بادو التي دارت رحاها خلال شهر غشت من سنة1933 كآخر حلقة في مسلسل المعارك التي خاضها أبناء قبائل إقليم الرشيدية ضد قوات الاحتلال الفرنسي ليس فقط على صعيد المنطقة بل على الصعيد الوطني


وجاء في بلاغ للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن هذه المعارك جسدت أيضا أشرس مواجهة بين الغزاة والمجاهدين، حيث شاركت فيها جميع القوات النظامية القادمة من المناطق العسكرية التي أنشأتها قوات الاحتلال بتادلة ومراكش ومكناس.
وأضافت المندوبية أن المجاهدين اجتمع منهم عدد كبير من مختلف القبائل المرابطة بالإقليم، واعتصموا مقاومين بقمم ومغارات وكهوف جبل بادو بعد تشديد الحصار وقصف جميع المداشر والقصور المجاورة للمنطقة وسد كل الثغور لمنع المجاهدين المحاصرين من الحصول على الإمدادات والمؤن.
ولقد قاومت قبائل الإقليم بضراوة ومنذ مطلع القرن العشرين وضحت بالغالي والنفيس من أجل صد العدوان الأجنبي والأطماع الاستعمارية خاصة سنة1908 بعد أن أقامت القوات الفرنسية أول مركز استعماري لها بمنطقة بوذنيب، والذي كان بمثابة قاعدة لانطلاق هجوماتها ومد سيطرتها على باقي تراب الإقليم.
وشهدت المنطقة سلسلة من المعارك بدءا بمعركة بوذنيب سنة1908 ثم معركة افري سنة 1914 ومعركة الرجل بمسكي سنة1918 ثم معارك تافيلالت ومعارك تازة ونواحي كلميمة وتاديغوست التي امتدت إلى أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي.
ولم تتمكن سلطات الاحتلال من إحكام سيطرتها وبسط نفوذها على باقي تراب الإقليم إلا بعد دخولها في أعنف مواجهة عرفتها المنطقة بجبل بادو خلال شهر غشت1933 أبلى خلالها المجاهدون من مختلف قبائل الإقليم البلاء الحسن وتمكنوا من الصمود وإرباك صفوف الجيش الفرنسي المدجج بأحدث الوسائل الحربية والجوية والبرية مما أدى إلى استشهاد العديد من النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء.
وابتداء من أواخر شهر يوليوز من سنة1933 ، تلقت ثلاث مجموعات عسكرية تعليماتها من القيادة العليا للزحف على مشارف أغبالو نكردوس ويتعلق الأمر بمجموعة التخوم، التي اتخذت من تنغير قاعدة لها وكان هدفها الهجوم على أغبالو نكردوس انطلاقا من الجنوب؛ ومجموعة مكناس في تيزي تغرغوزين وكان هدفها الهجوم على حمون وامدعوس مع مساعدة وتقديم الإمدادات لمجموع التخوم؛ وأخيرا مجموعة مراكش في منطقة أكدمان وهدفها الهجوم على حمون انطلاقا من الشرق.
ومع أوائل شهر غشت1933 شرعت القوات العسكرية الفرنسية في عمليات تطويق المناطق الشرقية من الأطلس الكبير حيث أعطى الجنرال "هوري" أوامره للمجموعات التي كانت على مشارف اغبالو نكردوس للزحف على تيزي نحمدون ابتداء من يوم4 غشت.
وتطورت الأحداث في أواخر الشهر المذكور إلى مواجهات عنيفة في جبل بادو بين فرق المجاهدين وقوات الاستعمار حيث أبان المغاربة في هذه المعارك عن روح قتالية عالية لصد المعتدين وأذاقوا فرق الغزاة أقسى الضربات وكبدوها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وكان المجاهدون يأتمرون بقادة اشتهروا باستماتتهم في القتال وبغنى تجاربهم الميدانية وحنكتهم التي اكتسبوها سابقا في مختلف جهات الإقليم، ومن بين هؤلاء زايد اوسكنتي قائد آيت عيسى ازم قبيلة آيت مرغاد، وعلي اوطرمون قائد آيت عيسى من زاوية اسول إلى جانب عدد كبير من الزعماء الآخرين الذين تقدموا الصفوف الأولى للمجاهدين فضلا عن الفقهاء الذين شاركوا في القتال بعد أن حثوا على الجهاد وأصدروا الفتاوى في هذا الشأن.
لقد وقف أبطال إقليم الرشيدية صامدين أمام جحافل القوات الأجنبية التي حاصرت الجهة الشرقية من الأطلس الكبير الشيء الذي جعل المجاهدين أمام اختيارين، إما الاستسلام أو القتال وقرروا الجهاد والاستشهاد.
وهكذا، قام المحاربون بالالتفاف حول زايد اسكونتي وتنظيم صفوفهم وتهييء مقاومتهم في منطقة "أوسكرسو بادو" باتخاذ المغاور والكهوف للإيواء عند الحاجة وخزن المؤن استعدادا لطول أمد الحرب.
وقد أبدى المجاهدون مقاومة شديدة أرغموا فيها العدو على التراجع في بعض المواقع وألحقوا به خسائر فادحة.
وأمام المقاومة الشرسة لأبناء تافيلالت، فقد سعى المستعمر إلى وسائل الترغيب واستمالة زعماء المنطقة تارة ومحاولات فرض الحصار وتضييق الخناق على السكان، وشن الهجومات المتوالية تارة أخرى، إلا أن المجاهدين، بفضل إيمانهم وتمسكهم بمقدساتهم الدينية والوطنية، ظلوا صامدين ومتحصنين بالكهوف والمغارات بجبل بادو ونحمدون وأيوب رغم قساوة المنطقة وشدة الحر حيث لبثوا يواجهون قوات الاحتلال.
وقد كانت هناك محاولات فرنسية للتفاوض مع قوات المجاهدين فتوقف القتال في24 غشت1933 ترقبا لمفاوضات ممكنة مع زايد أوسكونتي والجنرال "جيرو" وطال انتظار القيادة الفرنسية ولم يلب المجاهدون دعوة الحضور للتفاوض الذي مني بالفشل الذريع.
وبعد هذا الموقف الشجاع، أمام فرق العدو، قررت قوات الاحتلال شن هجوم قوي يوم 25 غشت1933 على "أوسكرسو"، واجهه المجاهدون ببسالة وشجاعة خارقة وتم تبادل إطلاق النار بين الطرفين ووصلت المعركة إلى المواجهة المباشرة باستعمال السلاح الأبيض.
وفي26 غشت1933 تواصلت المعارك بحدة، وبعد نفاذ زاد المجاهدين من جراء الحصار المضروب على المنطقة توقفت المعارك إلا أن جذوة مقاومة الاستعمار لم تنطفئ ولم تخب، إذ تحول أبناء إقليم الرشيدية مؤقتا إلى الكفاح بالوسائل السياسية في إطار الخلايا السياسية الوطنية لينخرطوا بعدها في العمل المسلح ضمن حركة المقاومة المسلحة وجيش التحرير فقاوموا ببسالة كما عهد فيهم بمختلف الوسائل دفاعا عن حمى الوطن وحياضه وصيانة للمقدسات الدينية والوطنية.
وشاءت الأقدار أن تلعب منطقة اغبالو نكردوس دورا رائدا في الإشعاع الوطني لما اختارها المستعمر معتقلا ومنفى للزعماء الوطنيين مع بداية الخمسينيات حيث احتشد فيها رموز ورجالات الحركة الوطنية ومن بينهم أقطاب من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال.
وكانت اتصالات أبناء الإقليم بهؤلاء الزعماء فرصة لخلق إشعاع قوي للمبادئ الوطنية وإذكاء روح الجهاد التي ظلت مستمرة لتتأجج في حمأة ملحمة ثورة الملك والشعب المباركة بعد إقدام المستعمر على نفي بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليهما والأسرة الملكية الشريفة في20 غشت1953 .
ولم تهدأ ثائرة أبناء تافيلالت كغيرهم من أبناء المغرب في مختلف الجهات إلى أن تحققت إرادة الملك والشعب وتكلل نضالهما بالنصر المبين وعودة الشرعية وإعلان الاستقلال في نونبر1955 ، لتتواصل إسهامات هذا الإقليم المجاهد في معركة الجهاد الأكبر لإعلاء صروح المغرب الجديد وتحقيق وحدته الترابية.
وأكدت المندوبية السامية لأسرة المقاومة وجيش التحرير، في بلاغها، أنها وهي تخلد ذكرى معارك جبل بادو البطولية، فإنها تتوخى صيانة الذاكرة الوطنية والتعريف بفصولها وتنوير أذهان الأجيال الصاعدة بمعانيها لتستلهم قيم الوطنية الخالصة وروح المواطنة الصادقة في مسيرات الحاضر والمستقبل التي يحمل لواءها باعث النهضة المغربية صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

Aucun commentaire: